آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-05:57م

ملفات وتحقيقات


تقرير.. جرحى ومعاقي الحرب في اليمن.. ملف منسي

الجمعة - 10 مايو 2024 - 07:28 ص بتوقيت عدن

تقرير.. جرحى ومعاقي الحرب في اليمن.. ملف منسي

((عدن الغد))خاص.

تقرير: لؤي العزعزي

من بين عشرات الملفات الساخنة هناك ملفًا واحدًا منسي مليء بالأنات والآلام الصامتة. ملف وأن كان قد فُتح على استحياء بين الفينة والأخرى الا انه لم يُحرك بشكل ايجابي منذ بدء الحرب. ملف بين كماشة عجز الشرعية وتنصل تحالف الحرب على اليمن من جهة، وبين تغاضي الحوثيين من جهة أخرى.

جرحى ومعاقي الحرب الملف الذي تتقاذفه اطراف الصراع وتحمل كل واحدة منها الأخرى مسؤولية الملف الذي يعج بالمعاناة والمأسي.
ملف اشبع تناول ولكن من زوايا انتهازية واستغلالية ولأغراض سياسية بحتة مما دفع بمنصة "عدن الغد" في الغوص بين تفاصيل الملف وعيش ألام الجرحى، ومعرفة التفاصيل المسكوت عنها.

السياق التاريخي وبالأرقام
بدءً بالثورة اليمنية 11فبراير 2011 التي تزامنت مع احداث الربيع العربي. والتي خلف النظام الأسبق فيها عشرات القتلى والجرحى وتأسست على ضوئه عشرات المؤسسات الخيرية والحقوقية والإنسانية. تعرض العديد من الثوار للإعاقة الدائمة والمؤقتة أثر القمع الذي جوبهو به.

حسب السجلات المركزية اليمنية فإن الجرحى والمعاقون أثر الصراعات والحروب بلغ عام 2014 نحو 25-35 ألفًا. ليرتفع العدد حسب احصائيات سابقة للعفو الدولية عام 2020 إلى 45 ألفًا وستندت على تقديرات عالمية لغياب البيانات الرسمية، والشفافية.
وحسب التقديرات الدولية والوكالة اليمنية الرسمية للأخبار " سبأ" فإن عدد المعاقين والجرحى الناتجين عن تبادل اطلاق النار بين اطراف الصراع في اليمن خلال السنوات السبع للحرب 2015-2021 بلغ قرابة 50-100 في اليوم الواحد. هذا ويستقبل مركز الأطراف، والعلاج الطبيعي في صنعاء 100-150 حالة جديدة كل يوم، اغلب الحالات بحاجة إلى علاج طبيعي، وأطراف صناعية، نتيجة الغارات الجوية، وفقًا لتصريح سابق للإختصاصي في العلاج الطبيعي "أحمد السقاف" 24 ديسمبر 2019.

ما بين 6-8 الاف شخص تم تسجيلهم خلال الفترة "مارس 2015 - ديسمبر 2016 أصيبوا بإعاقات متفاوتة، أغلبهم بسبب انفجار أو لغم أو طلقة نارية، حسب تقارير محلية، نصفهم من الأطفال، والنساء في أكبر كارثة تشهدها الإنسانية.

ما بين 56 - 92 ألف معاق تم تسجيلهم خلال الفترة مارس 2015 – نوفمبر 2016 وفقاً لإحصاءات الإتحاد الوطني لجمعية المعاقين.

100 ألف شخص معاق خلال الفترة مارس 2015 - يوليو 2019 حسب المتحدث باسم وزارة الصحة بصنعاء الدكتور "يوسف الحاضري" 26 يوليو 2019.

5500 قتيل منذ عام 2015، بسبب الأجسام المتفجرة عن بُعد، 80 % من هذه الخسائر البشرية وقعت منذ العام 2017 وفقاً لتقريرٍ أصدره مشروع تتبع بيانات ومواقع الصراعات المسلحة عبر العالم "ACLED"
28 مارس 2021.

هذا وعانى الجرحى والمعاقون لكافة اطراف الصراع من قطع مرتبات 13 ألف معاق يعملون في الجهاز الحكومي، وحرمان 150 ألف معاق من الضمان الاجتماعي كانت الأجهزة الحكومية ومانحين ومنظمات المجتمع الدولي تقدمها لهم كمساعدة. هذا وأكد مراقبون معاناة 2500000 معاق من الجوع وانعدام الغذاء والدواء، ونزوح 17 ألف معاق في جميع محافظات اليمن، يعيشون أوضاعًا مُزرية في أماكن النزوح وسط مخاطر تُهدد حياتهم، حسب الاتحاد الوطني لجمعية المعاقين، 1 ديسمبر 2019.
وفي ندوة علمية أقيمت بصنعاء في 13 ديسمبر 2018 تحت عنوان "واقع حال ذوي الاعاقة بين الحماية المفقودة والاغاثة المشتتة"، اكدوا تضرُر 5 - 6 مليون معاق، ومازالت أعداد المعاقين تزداد بسبب الحرب.

الإعاقات تفاوتت بين كُليةٍ، وجُزئية، وسمعية، وبصرية، وبتر أطراف، وحركية في الرأس، وإصابات في العمود الفقري والحبل الشوكي، واختلال في المخ، وكلها خطيرة ومعقدة.

المناطق الأكثر تضررًا
تتركز أكثر حالات الإعاقة في مناطق الساحل الغربي والحديدة تليها محافظة صعدة وحجة وأمانة العاصمة وتعز وإب حسب تقديرات حكومية" صنعاء".

50 % من الجرحى والمعاقين الجُدد لم يُسجّلوا في سجلات الجهات المعنية، وفقاً للأمين العام المساعد بالمجلس الأعلى للأمومة والطفولة، 17 مايو 2018، مؤكدًا بأن الأمومة والطفولة أكثر شرائح المجتمع اليمني تضرُرًا في الحرب، حيث تفيد المؤشرات أن معظم الجرحى من هذه الشريحة تطورت حالاتهم إلى الإعاقة الدائمة السمعية أو البصرية أو الشلل أو بتر الأطراف، كما أكدت النتائج الأولية للدراسات الدقيقة لآثار الحرب، والأسلحة المستخدمة في الحرب على وجود تشوهات خُلقية في مواليد الثلاثة الأعوام الأولى من الحرب، ما يعني إضافة إعاقات خُلقية جديدة إلى ملايين المعاقين المدنيين بسبب الأسلحة المحرمة دوليًا.

في تعز كنموذج بسيط بلغ عدد المُقيدين في سجلات صندوق رعاية المعاقين نحو 10128 مُعاقًا ومعاقة، حسب مدير الصندوق "صبري طارش المعمري"، 28 نوفمبر 2019، منهم 4 آلاف معاق حركيًا، و80 % أطفال، وهذه الإعداد لا تشمل ضحايا الحرب، مُتوقعًا تجاوز عدد المعاقين في تعز وحدها 20 ألف مُعاق ومُعاقة.

على مستوى المحافظات الجنوبية والشرقية يُؤكد المدير التنفيذي لرعاية وتأهيل المُعاقين في عدن "محمد الشاعري"، 23 نوفمبر 2021، عدم وجود إحصائية دقيقة للمعاقين في محافظات عدن، ولحج، وأبين، والضالع، وشبوة، لكن العددي الفعلي يتجاوز 10 ألف إعاقة.

هذه الأرقام المُرعبة لعدد المعاقين حركيًا، وبصريًا، وسمعيًا خلال السنوات السبع من الحرب في اليمن جعلت موقع "دويتشه فيله" الألماني في تقريرٍ له عن ضحايا الحرب في اليمن نشره نهاية العام 2017 يجزم بأن "أعداد ما خلفته الحرب من معاقين جُدد في اليمن يُضاهي عدد سكان دول خليجية، مُعتبرًا الحرب بمثابة "يوم القيامة" على شريحة المُعاقين اليمنيين.

وفي آخر احصائية فإن خمسة ملايين يمني يعانون من حالة من الإعاقة الناجمة عن الحرب الدائرة منذ تسع سنوات. أي قرابة 15% من سكان اليمن تقريبًا، وفقًا لتقرير أممي حديث.
حيث أوضح التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) أن هذا الرقم قد يكون أكبر بكثير في ظل تفاقم آثار الصراع، مثل انتشار الألغام، والمتفجرات الباقية من الحرب.

قصص حية للإهمال
يقول الجريح الجندي في جبهة البقع الحدودية مع المملكة العربية السعودية"م.م" شارحًا معاناته ل "عدن الغد": " منذ سنتين وثلاثة أشهر وأنا طريح الفراش عملت عدة عمليات ولكن قدرلله وما شاء فعل لم تتم معالجتي هنا -أي المملكة تنقل بين المحافظات الحدودية- وتم تقديم طلب تقرير طبي متقدم ولكن قيادة المحور "البقع" لم تتابع ولم يعملوا لنا أي حل حتى اللحظة"

الجريح م.م تعرض لشظايا من احدى الطائرات المسيرة الإنتحارية اواخر عام 2022 مما ادى لكسر يده اليمنى، ورجليه حيث يعاني من تلف في الرباط الأمامي، مع ضعف عضلة الفخذ. كما ويعاني ومنذ ست سنوات من انقطاع مرتبه بشكل كامل.

وبدوره يقول زميلة "شهاب"فضل عدم ذكر اسمه كاملًا بعد ان بنى على ما قاله زميلة: " جرحى الحرب ليس لديهم معاناة لأننا نفضل أن تتمزق أجسادنا، ولا يتمزق الوطن فكل قطرة دم تسيل من أجسادنا يولد منها مناضل نحن خرجنا ليس لأجل منصب أو كرسي بل خرجنا لجل ديننا ووطننا لهذا لا يوجد لدينا معاناة ومعاناتنا هي عندما ننظر ووطنا يتمزق ويتقسم الى اشطار، وتنهب مستحقاتنا"
ويضيف زميلهم الثالث "ه.ق" الذي بُترت احدى رجليه من فوق الركبة في مشفى نجران العام " لم نلمس أي اهتمام من أي أحد لا من القائد المباشر ولا من قيادة المحور ولا من مندوبين الجرحى ولا حتى من الأطباء بسبب توقف دفع تكاليف تلقي العلاج" واردف مكملًا حديثة بألم "عندما رأيت حالة زملائي وانتظارهم الطويل ومن ثم تأخر تلقيهم للعلاج.. اضطررت لدفع تكاليف علاجي على نفقتي الخاصة بالرغم من أوضاعي الصعبة جدًا"

تواصلت بدوري بأركان اللواء "لواء البقع" العميد الزائدي والذي لم يتجاوب واكتفى بالحظر بعد مواجهته بقضايا عديدة لم يتم اجراء أي قرارات في ما يتعلق بتلقي جرحى المحور المسؤول عنهم للعلاج المتقدم بالرغم من وجود الكثير من الجهات الممولة، والداعمة منها الحكومة الشرعية، ومركز الملك سلمان بن عبدالعزيز للإغاثة والأعمال الإنسانية، والهلال الأحمر الإماراتي، والقطري، والكويتي، والسوداني وغيرها. وبدوره قال مندوب جرحى محور البقع العقيد"رامي أبو المجد" بأن قيادة المحور دورها في المتابعة فقط ولا علاقة لها في بقية الإجراءات، أو اجراء العمليات، أو تسفير الجرحى حد قوله.

في اواخر شهر رمضان الفائت ومع اقتراب العيد وتزايد متطلبات العيش نظم عديد من الجرحى في محافظتي تعز ومأرب وقفات احتجاجية على انقطاع مرتباتهم منذ شهور.

وساطات ومحسوبيات
يقول الجريح في الجيش الوطني في تعز " محمد مقبل" اسم مستعار
" نحن الجرحى في تعز نحرم من ابسط حقوقنا ونضطر وبأنفسنا نتابع بعد القيادة والدكاترة والمندوبين.. وكأن تلقي العلاج واجراء العمليات المهمة هبه لا حق من حقوقنا كجرحى حرب ضحينا" ويستردف قائلًا " هناك تخاذل من القيادة وانعدام الإهتمام والمتابعة الا إذا كان الجريح لديه واسطة أو معرفة مع قيادات الصف الأول يتم الإهتمام به وتسفيره للخارج خلال أيام قليلة حتى وان كانت الإصابة طفيفة وبسيطة ويمكن معالجتها في اليمن".

حقوق ومستحقات
صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) عام 2022م ما اسمته بـ " إعمال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن".. حيث كان أحد بنود الإعمال لحقوق ذوي الإعاقة:
صادقت اليمن على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة "CRPD" والبروتوكول الأختياري للأتفاقية في 26 مارس 2009م.. وجاء في المادة الحادية عشرة " تدعوا اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الدول الموقعة إلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة بضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في الحالات الخطرة. بما في ذلك حالات الصراع المسلح وحالات الطوارئ الإنسانية واثناء وقوع الكوارث الطبيعية.
وتضمن الإعمال لحقوق ذوي الإعاقات في اليمن الكثير من البنود والقوانين المتفق عليها دوليًا ووقعت عليها اليمن والتزمت بها؛ مما يوجب على الحكومة اليمنية الأن ووفقًا القانون الدولي لحماية ومعالجة الجرحى.

أمام القانون اليمني
لا يوجد مواد قانونية صريحة تنظم حقوق جرحى ومعاقي الحرب في اليمن. ولكن هناك نصًا دستوريًا بأن: "لكل انسان الحق في الحياة ويحمي القانون هذه الحقوق.. كالحق في تلقي العلاج الفوري أثناء الطوارئ والخطر" كما وأن هناك اتفاقيات عدة وقعت عليها اليمن مثل اتفاقية جنيف بخصوص تحسين حالة الجرحى ومعاملة اسرى الحرب.
و حسب الحقوقي والمستشار القانوني الأستاذ خالد الكمال هناك منظمات مثل منظمة اطباء بلا حدود للإغاثة الطبية والإنسانية لها جهود لا بأس بها.

نظام صحي منهار
وفي السياق ذاته اشار الكمال مكملًا حديثة لإنهيار النظام الصحي في اليمن منذ بدء الحرب. هذا وافاد بأن الأنظمة الحكومية -صنعاء وعدن- وفي اوقات متفرقة تقوم بتشكيل لجان حكومية لتقديم الدعم والمساعدة ولكن الدعم والمساعدة بسيط جدًا ومحدود.
حسب الكمال فإن تقديرات حكومية افادت بأن الدعم الحكومي لم يصل لأكثر من خمسين جريح. حيث أن المنظمات والمساعدات والهبات والبرامج الخارجية هي من تقوم بالدور الأكبر في تقديم المساعدات والإعانات واكدت مصادر عديدة هذا التصريح.

هذا وقال الكمال بأن هناك إهمال وتمييز عرقي ومناطقي في التعامل مع ملف الجرحى في اليمن.

وفي ختام تصريحه قال المستشار القانوني والحقوقي خالد الكمال لمنصة "عدن الغد": " كمحامي ورجل قانون انصح الدولة سواءً في الشمال أو الجنوب -أي الشرعية أو الحوثيين- ان تنشأ صندوق خاص يهتم بحقوق الجرحى وتلقيهم للعلاج على نفقة الدولة" واردف حديثة خاتمًا " أتمنى اصدار قانون ينظم مسألة علاج الجرحى حيث لا قانون صريح يحفظ حقوقهم عدى نصًا دستوريًا لا يأخذ به"

هذا ويبقى المواطن المثخن بالجراح وانقطاع الراتب والخدمات الأساسية منتظرًا لبصيص أمل نتمنى قربه. حيث أن القانون الدولي المتفق عليه دوليًا يحفظ حقوقهم ومستحقات واليمن كدولة ونظام وقعت على الكثير من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية. وللأسف حتى الآن تبقى حبر على ورق لا أثر لها على أرض الواقع الا من هبات ومساعدات محدودة ولأغراض سياسية خبيثة.