آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-01:11ص

ملفات وتحقيقات


تحليل: التنافس على حضرموت.. خدمة أم ضرر؟

الإثنين - 06 مايو 2024 - 06:19 ص بتوقيت عدن

تحليل: التنافس على حضرموت.. خدمة أم ضرر؟

(عدن الغد)خاص:

قراءة في أسباب التنافس بين القوى المحلية والإقليمية على المحافظات الجنوبية الشرقية..

لماذا الصراع على ما هو مخفي أكثر من البارز في شبوة؟.

السباق بين أطراف النفوذ في المهرة.. لماذا الآن؟.

الصراع على الشرق.. الأسباب والعوامل.

تقرير/ صالح المحوري:


تمثل السيطرة على المحافظات الجنوبية الشرقية عاملاً مهماً لأي قوة سياسية طامحة نتيجة لاحتضانها منابع النفط والغاز وامتلاكها عددا من أهم الموانئ في البلاد، إضافة إلى اعتبرها نقطة جغرافية متقدمة للأمن القومي اليمني على الحدود مع المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان.

وفي حين لا يبدو الوضع مختلفًا من الناحية الاقتصادية والخدمية في المحافظات الشرقية عن محافظات إقليم عدن، لكن الأولى تتفوق بشكل نسبي في الملف الأمني، حيث تشهد المحافظات الشرقية استقرارا في الأوضاع الأمنية نتيجة محدودية التشكيلات العسكرية هناك وغياب الخلافات بين القوى الفاعلة في المحافظات.

ولا يعكس الهدوء الداخلي الحالي في محافظات حضرموت، المهرة، شبوة وسقطرى، واقعية أن هذه المحافظات من الممكن أن تصبح ساحة تنافس بين القوى المحلية والإقليمية مع قرب التجهيز لإعلان أي اتفاق سياسي بين أطراف الصراع الرئيسية في الملف اليمني.

> حضرموت

محافظة حضرموت، هي كبرى محافظات البلاد من حيث المساحة، تعد من محاور الصراع الرئيسية المرتقبة، والتي على أثرها قد يتحدد شكل أي اتفاق قادم وفقًا لموقع المحافظة الجيوسياسي والاقتصادي، لكن من المهم معرفة أن أي تنافس بين القوى الفاعلة في الملف اليمني يأخذ ثلاثة أبعاد جيوسياسية واقتصادية واجتماعية.

البعد الجيوسياسي يتجه إلى أن محافظة حضرموت، تمثل ورقة مهمة من حيث إن السيطرة عليها بصفتها الجغرافيا الأكبر في اليمن، ونواتج هذا التأثير على شروط التفاوض سيكون لها أثر بالغ فيما إذا كانت سيطرة فعلية فاعلة، بمعنى أن من يُدير الأرض يسيطر على موارد هذه الأرض وبمعنى أبسط السيطرة المطلقة.

هذه السيطرة غير المجتزئة على الأرض تمنح من يملكها قوة لفرض شروطه، وكبر مساحة حضرموت مع أنها ورقة جيدة إلا أنها تصبح ممتازة أكثر عندما يتعلق الأمر بالمحافظة التي تملك حدودا طويلة مع المملكة العربية السعودية، وهذه ميزة جيدة لأن الارتباط بحدود مع السعودية التي تمتلك مصالح متفاوتة في حضرموت، يمنح المسيطر جوانب قوة من خلال هذه العلاقة على أن عائدة بالفائدة على المحافظة، لأن استعادة حضرموت توازنها وتأثيرها يمثل في الوقت نفسه عامل قوة لمن يسيطر.

من الواضح أن حضرموت، تعاني الانقسام بين القوى والداعمين الإقليميين وهذا يبدو واضحًا من وقوع مديريات الساحل في نطاق سيطرة قوات النخبة الحضرمية والسلطة المحلية وهي منطقة تتداخل فيها النفوذ السعودي الإماراتي، في حين تسيطر قوات المنطقة العسكرية الأولى على مديريات الوادي وهي ألوية تبدو على علاقة جيدة بالجانب السعودي دون معرفة إلى مدى وصلت هذه العلاقة.

اقتصاديًا حضرموت، هي رافعة اقتصادية تعود مواردها على الخزينة العامة للدولة بالملايين شهريًا، لكن هذ الدور تراجع مع عدم انتظام الموارد وتداخل الصلاحيات بين الحكومة والقوى المحلية فيما يخص توريد الأموال للبنك المركزي، لكن في كثير من المرات عادت إيرادات المرافق في حضرموت للسلطة المحلية.

القوة الاقتصادية لحضرموت وهي أحد أسباب الصراع المفترض بين القوى المحلية والإقليمية، تشمل ما لا يقل عن اثنين من أهم حقول النفط (قطاع المسيلة والوديعة)، مواقع قيد الاستكشاف فضلاً عن امتلاكها مطاري المكلا وسيئون وميناءي المكلا والشحر الواقعين على ساحل البحر العربي.

هذه المواقع المهمة تحملان الخير والشر لحضرموت في الآن نفسه، فهما أولاً أسباب وجيهة لانتعاش المحافظة واستقلاليتها المالية والاقتصادية فيما إذا تمكنت من إدارة مواردها بنفسها وهو أمر بقدر ما يبدو سهلاً من حيث الإدارة بالنسبة للمواطن الحضرمي المنتظم والإداري التقليدي الحازم، فهو يحمل بعض الصعوبة نتيجة عدم امتلاك القوى الحضرمية خيار التنفيذ والاستقلالية بشكل كامل وعدم انسجام واقع ما يدور مع الذي من المفترض أن يكون وهو الأمر الذي يجعل المحافظة إلى جانب عدن، في مسألة الصراع من خارج المحافظة على المحافظة.

القوتان السياسيتان الأبرز في حضرموت، مؤتمر حضرموت الجامع والمجلس الانتقالي الجنوبي تكشفان كيف أن المواطن الحضرمي أصبح منقسمًا بين التعويل على المشروع الجنوبي المتمثل في المجلس الانتقالي وبين العودة للجغرافيا الحضرمية عبر مؤتمر حضرموت الجامع.

يعتقد البعض أن أي دعوة لاستعادة حضرموت لدورها وثروتها يجب أن يكون ضمن المجلس الانتقالي الجنوبي لعدة أسباب يأتي في مقدمتها التخوف من أن أي دعوة للحديث عن استقلال حضرموت أو ضمن سيفتح الباب لصراعات داخلية، وسيحفز القوى والأحزاب السياسية والقوى الإقليمية لاستقلال تأثيرات ابتعاد حضرموت عن المشاريع الجنوبية الجامعة لإضعافها.

في حين يطالب البعض الآخر بضرورة أن تستقل حضرموت بمطالبها عن الدولة المركزية في صنعاء، وعن أي مشروع جنوبي عام بأي صيغة، إذ يُبرر هؤلاء هذه المطالب بأن القوى السياسية على اختلافها تنظر لحضرموت بنظرة واحدة وترى السيطرة عليها وسيلة للكسب السياسي والاقتصادي دون التركيز على منح المحافظة قيمتها ودورها السياسي والاقتصادي.

> شبوة

محافظة شبوة النفطية هي الأخرى تمثل أحد محاور التنافس المفترض بين القوى السياسية اليمنية والإقليمية وإن كانت بدرجة ثانية بعد حضرموت، المحافظة الثالثة من حيث المساحة بعد حضرموت والمهرة تمتلك منشأة بالحاف الغازية التي تصل إيراداتها لما يُقارب مليار ونصف سنويًا من عمليات تصدير الغاز المُسال القادم من مأرب إلى الخارج بعد تصفيته، وكانت توقفت قبل أكثر من ثمانية أعوام بفعل الحرب.

تسيطر على المنشأة الغازية التي بدأت تصدير الغاز إلى الخارج في العام 2009 قوات محدودة من التحالف العربي، وقوات محلية أخرى وحتى الآن فشلت كل محاولات تشغيل المنشأة في ظل ضعف السلطات العليا في البلاد والتنفيذية وغياب المبررات المنطقية بشأن موقف التحالف من توقف تشغيل المنشأة المهمة.

محافظة شبوة، الآن تقودها سلطة محلية تقع في المنطقة الرمادية فالمحافظ من أبناء شبوة وذو خلفية سياسية ينتمي لحزب المؤتمر الشعبي العام على أنه من المهم الإشارة إلى أنهُ يتمتع بعلاقات جيدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة وهذه نقطة مهمة في مسار أي تنافس قادم، لأن التوجه السياسي للسلطة المحلية ينعكس على ديناميكية الصراع وتحركات اللاعبين الإقليمين الفاعلين.

تتواجد في المحافظة قوات عسكرية تسمى (دفاع شبوة) وهي قوات أمنية تنتشر في أجزاء كبيرة من المحافظة، وغالبية الجنود المنتمين لهذه القوات من أبناء المحافظة وهي ميزة جيدة في مسألة التأمين لأن أبناء المدينة يبدون أكثر حرصًا من غيرهم، في حين تتواجد قوات عسكرية حكومية لكنها ليست بنفس الفاعلية والتأثير مثل الأولى.

من الناحية الجيوسياسية؛ محافظة شبوة ترتكز على موقعها فهي تتداخل بالحدود مع أربع محافظات في البلاد، اثنتين في الشمال مأرب والبيضاء واثنتين في الجنوب أبين وحضرموت، وبالتالي لديها تداخل اجتماعي جيد مع أبناء المحافظات المجاورة، إضافة إلى امتلاكها شريطا ساحليا واعدا فيما إذا استغل أبناؤها هذه المواقع لصالح تنمية المحافظة وإنعاشها اقتصاديًا، ومن الممكن إنشاء موانئ لتصدير النفط على غرار ميناء بلحاف وميناء النشيمة.

جزء من أي تنافس أو صراع يعود إلى ما هو مخفي في الأرض الجيدة للاستثمار وليس ما هو بارز وهو ما ينطبق على محافظة شبوة، التي يمكن لها أن تمتلك الكثير في مجالات التنقيب عن النفط والمعادن، ومجالات الاستثمار في السياحة والصناعات الخفيفة.

على الجانب الآخر، تمتلك شبوة عددا من المواقع النفطية وهي مواقع نفطية توقف فيها استخراج النفط بفعل الصراع الدائر الحالي، غير أن شبوة بحسب خبراء ومختصين في النفط تمتلك فرصا جيدة لاستكشاف مواقع نفطية جديدة ستمثل رافدًا قوياً للاقتصاد، وعامل جذب للاستثمار في المحافظة ومحفزا للصراع حولها في الآن نفسه.

> المهرة

محافظة المهرة النفطية ثاني كبرى محافظات البلاد، والواقعة على الحدود مع سلطنة عُمان منطقة أخرى من مناطق التنافس المحلي المغلف بصبغة إقليمية، إذ تنقسم القوى السياسية الداخلية والخارجية بين ثلاث قوى فاعلة وهي مكونات على علاقة بسلطنة عُمان وأخرى على علاقة بالمملكة العربية السعودية وثالثة تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي وهي على علاقة بدولة الإمارات.

الثلاثة الاتجاهات أساس صراعها حول السيطرة وتحت السيطرة تحضر دوافع وأطماع اقتصادية وتتداخل معها أسباب على صلة بالمساعي الوجودية لاستكمال السيطرة.

تتداخل محافظة المهرة، بحدود طويلة مع سلطنة عُمان وهما تلتقيان بالكثير من القواسم المشتركة وإذ يبدو في الظاهر أن دوافع سلطنة عمان لكسب النفوذ في المهرة لا تتجاوز تأمين حدود أمنها القومي، لكن من الواضح أن هذه العلاقة تتجاوز ذلك نتيجة أهمية موقع المهرة من الناحية السياسية والاقتصادية لعمان، كما أن تعاظم نفوذ أي دولة في المهرة والسيطرة عليها سيزيد من الضغوط على مسقط.

المملكة العربية السعودية، بدأ نفوذها يتصاعد منذ العام 2017 وأسست لوجودها حضورا جيدا نسبيًا عبر بعض حلفائها من أبناء المحافظة، في حين مكنت عددا من القيادات الموالية لها في المواقع العسكرية والأمنية، ومن الواضح أن مساعي الرياض تتجاوز ذلك لتصل إلى تثبيت نفوذها بشكل أقوى بالتعمق في المجتمع المهري وهي مهمة أصعب في وجود عُمان.

في حين فرضية أن الرياض تسعى إلى تأمين موقع بحري لها على ساحل بحر العرب تبدو غير متماسكة مع منطقيتها، إذ إن ذلك يتطلب الإجابة على كيف ستحصل السعودية على ذلك وفي أي وضع في ظل مسؤوليتها كطرف داعم ووسيط في بعض الأحيان.

نموذج المجلس الانتقالي الجنوبي يبدو أضعف مقارنة بحالتي السعودية وعمان وحلفائهما، في ظل تراجع الدور الإماراتي في المهرة عما كان عليه قبل العام 2017.

تمتلك محافظة المهرة شريطا ساحليا جيدا على غرار محافظتي حضرموت وشبوة، وهي أرض ممتازة للاستثمار السياحي مع امتلاكها محميات ومواقع طبيعية إلى جانب المنافذ البرية التي تعود بالملايين على الخزينة العامة للدولة.

وليس ببعيد تمتلك المحافظة ثروات معدنية مثل الرخام والإسمنت، لكن لم تخرج مشاريع جيدة لهذه المواد ذات الطلب الكبير، إلى جانب أن المحافظة واحدة من المناطق الموعودة بالنفط، وسواحل المهرة تعد من أكثر السواحل الغنية بالأسماك.