آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-01:25ص

ملفات وتحقيقات


القسم السياسي بصحيفة (عدن الغد) ينشر تقريراً يبحث فيه أبعاد المواجهات الدائرة في محافظة أبين بين قوات الحكومة والانتقالي

الأحد - 31 مايو 2020 - 07:48 ص بتوقيت عدن

القسم السياسي بصحيفة (عدن الغد) ينشر تقريراً يبحث فيه أبعاد المواجهات الدائرة في محافظة أبين بين قوات الحكومة والانتقالي

القسم السياسي بصحيفة (عدن الغد):

- هل نحن أمام حرب استنزاف لقوات الحكومة والانتقالي في أبين؟

- ما هي دوافع كل طرف لخوض المواجهات؟

- من يقف خلف كل طرف.. وما هي مصالح الداعمين؟

- ما موقف التحالف والسعودية من مواجهات أبين؟

- مشاورات المملكة.. هل ستشهد اتفاقية جديدة تلغي اتفاق الرياض؟

- لماذا لا يهتم المتحاربون بخدمات المواطنين البسطاء؟

 

لم تختلف المعارك الدائرة ميدانياً في جبهات أبين بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي عن المعارك الدائرة بين موالي ومناصري كل طرف على جبهات مواقع التواصل الاجتماعي.

فكما لم تبارح المعارك خطوط التماس بين الطرفين المتقاتلين على حدود سيطرة كل طرف، ظلت المعارك "الفيسبوكية" وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تروّج لانتصارات وهمية لهذه القوات وتلك، دون أن يكون هناك أي تقدمٍ حقيقي على الأرض لأيٍ منهما.

ولا تزال المواجهات بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي على أشدها في محافظة أبين شرق عدن، منذ أكثر من شهر.

وتسعى القوات الحكومية إلى دخول مدينة عدن العاصمةً المؤقتة للشرعية، والتي سيطر عليها المجلس الانتقالي بقواته عقب أحداث ومواجهات أغسطس 2019، بينما يستميت هذا الأخير في منع قوات الشرعية من التقدم نحو عدن.

وعلى الرغم من مضي أكثر من شهر على انطلاق العملية العسكرية التي أطلقتها الحكومة، فإن المواجهات لا تزال ترواح مكانها مع تقدم طفيف للقوات الحكومية.

 

فخ الاستنزاف

ويرى خبراء عسكريون أن قوات الانتقالي صمدت -على غير المتوقع- بعد أن دفعت بتعزيزات كبيرة إلى محافظة أبين وقدمت آليات عسكرية ثقيلة وأسلحة نوعية إلى أرض المعركة، أهمها الصواريخ الحرارية التي كان لها الدور الأكبر في إعاقة تقدم قوات الجيش الحكومي.

في حين كان يتوقع أن القوات الشرعية ستمضي في طريقها نحو عدن بكل سهولة ويسر، خاصةً بعد تأكيدات عن تحييد الطيران الإماراتي من التدخل لصالح قوات المجلس الانتقالي.

وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول جدوى معركة أبين، كما أثار الجدل حول احتمالية أن تكون المواجهات على أعتاب مدينة شقرة مجرد حرب استنزاف لقوات كلا الطرفين؛ بغرض إنهاكهما فقط، خاصةً مع حصول قوات الانتقالي على أسلحة نوعية لم تكن بحوزته من قبل؛ مما ساهم في عدم ترجيح كفة أي طرف على الآخر.

ويخشى مراقبون عسكريون أن تبقى جبهة أبين مشتعلة بشكل مستمر، وتتكرر فيها المواجهات المحدودة دون أن يستطيع أيٌ من المتقاتلين هناك في تحقيق هدفه العسكري أو السياسي، في ظل استنزاف للقوى والمقاتلين.

هذا الاستنزاف العسكري على الميدان، يقابله معارك وحرب على مواقع التواصل الاجتماعي، يصفها متابعين بأنها "استنزافية" أيضاً، تدور رحاها بين موالين لكل طرف من طرفي الصراع والاقتتال في أبين.

ويسعى موالو كل جهة من خلال هذه الحرب "الفيسبوكية والتويترية" إلى صنع انتصارات لا أساس لها ولا وجود لها على الأرض، غير مدركين أنهم يؤججون بتصرفاتهم تلك الانقسام الأهلي بين أبناء الوطن والتراب الواحد، وكل ذلك يصب في خانة "الاستنزاف" لامكانيات ومقدرات الجنوب، العسكرية والاقتصادية وحتى السياسية والإعلامية.

 

سيناريوهات

وفي ظل هذا الوضع، من اللاحسم واللاانتصار  الذي تعيشه جبهة الاقتتال في محافظة أبين، يرسم عدد من المعنيين العسكريين والسياسيين عددًا من السيناريوهات المتوقعة لمآلات المواجهات التي لم تبرح مواقعها في أبين.

ويبدو من خلال المؤشرات والوقائع الميدانية استحالة تحقيق القوات الموالية للمجلس الانتقالي أي تقدم باتجاه محافظة شبوة أو السيطرة على بعض مديرياتها، ذلك أن كل الوقائع وكفة موازين القوة ترجح لصالح القوات الحكومية حالياً، على الأقل من الناحية الدفاعية، والحاضنة الشعبية.

ويقول خبراء عسكريون إن زراعة قوات الانتقالي للألغام وامتلاكها للصواريخ الحرارية، تعتبر تغير نوعي في سير المواجهات في أبين؛ وينظر إليها كثيرون بأنها خطوات أعاقت تقدم القوات الحكومية نحو عدن، وهو ما شكل مفاجأة غير متوقعة للشرعية.

ويتوقع الخبراء أن تظل قوات كلا الطرفين في مواقعها الميدانية على خطوط التماس دون أي تقدمٍ يذكر؛ عطفاً على العديد من العوامل والمؤثرات السياسية والعسكرية، والتدخلات الخارجية حتى.

وهذا ما يجعل الطرفان (الحكومة والانتقالي) يدخلان في معركة استنزاف طويلة الأمد، وهو سيناريو متوقع من خلال المؤشرات الأولية على الأرض منذ اندلاع المواجهات بين الطرفين قبل أسبوع.

سيناريو آخر يتوقعه المراقبون السياسيون يتعلق باتفاق الرياض الذي يبدو أنه سيكون من الماضي في ظل أنباءٍ عن مشاورات وحوارات تجري حالياً في المملكة العربية السعودية، تجمع ممثلين عن الحكومة والانتقالي وحتى جماعة الخوثي، وبرعاية القيادة السعودية؛ للتمهيد لتسوية مرتقبة.

وفي هذا الإطار يصنف المراقبون مواجهات أبين بأنها تأتي بهدف فرض الأطراف المتقاتلة حصصاً في التسوية القادمة تقوم على أساس ما تمتلكه وتسيطر عليه ميدانياً، وبالقوة العسكرية؛ فالمكاسب السياسية تفرضها المكاسب العسكرية قبل أي شيء آخر، بحسب المراقبين.

 ويرجح خبراء أن يتأثر الانتقالي بشكل أكبر في حالة استمرت معارك الاستنزاف لفترة أطول، ذلك أن قواته ستعاني من عجز في الإمدادات مع استمرار القتال، وسيحدث ذلك بسبب انقطاع الدعم عنها، لأن الداعم الرئيسي لها لم يعد حاضرًا في عدن، عقب تسلم الرياض للمدينة بعد اتفاق الرياض.

في المقابل فإن معركة الاستنزاف ستؤثر على القوات الحكومية، وربما قد تتحول جبهة أبين إلى جبهة "جامدة" كجبهات نهم وتعز والبيضاء، وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على تلك القوات، وسيعيق أية عمليات أو مقترحات للتقدم أو على الأقل تحريك الجبهات مع مليشيات الحوثي.

لكن تأثر القوات الحكومية باستمرار المعارك الاستنزافية لن يكون بذات التأثير الذي سيلحق قوات الانتقالي، ذلك أن الجيش الحكومي يملك خط إمداد من محافظة شبوة، ويمتد إلى مأرب.

ومن السيناريوهات المحتملة التي توحي بها المعارك الدائرة في أبين، والتي لم تحسم لأي طرف حتى الآن، هو الإبقاء على الخارطة "الجيوعسكرية" الحالية، والتي تتمركز فيها القوات الحكومية في مدينة شقرة وشرق أبين، بينما على الضفة المقابلة تتمترس قوات الانتقالي غرب المحافظة.

وهذا السيناريو المحتمل يؤكد -بحسب الخبراء- وجود خطة من نوعٍ ما على رسم ملامح مستقبل "المحاصصة" السياسية بين الأطراف المتصارعة، بدت تفاصيلها واضحة على الأرض الجنوبية.

فعدم تقدم أي قوات على حساب الأخرى يبوح بالكثير مما ذهب إليه الخبراء والمحللين من احتمال الإبقاء على تمسك كل طرف بما تحت يديه من مساحات مسيطر عليها.

 

موقف التحالف

اشتداد رحى الحرب والمعارك في محافظة أبين بين الانتقالي والحكومة الشرعية أثار الكثير من الجدل تجاه طبيعة الدور الذي يضطلع به التحالف العربي في اليمن، وموقفه من المواجهات.

فالعديد من المتابعين والمراقبين يشيرون إلى وجود ضوء أحمر من المملكة العربية السعودية ممنوحة لقوات الحكومة الشرعية بهدف السيطرة على أبين والتقدم نحو مدينة عدن.

وتستند هذه الفرضية -غير المؤكدة- على خلفية الاختلافات الحادة بين المملكة والمجلس الانتقالي، عطفاً على عدم تنفيذ اتفاق الرياض وخلافات عسكرية وأمنية أخرى شهدتها عدن بين الجانبين خلال الفترة الماضية.

ويعتقد خبراء عسكريون أن هذه الفرضية -لو صدقت- فإنها قد اصطدمت باستماتة قوات الانتقالي في الدفاع عن أبين، ومنع تقدم القوات الحكومية نحو عدن، ربما بسبب دعم عسكري وسياسي معنوي لأحد أقطاب التحالف العربي في اليمن.

في المقابل يعتقد معارضو هذه الفرضية أن المملكة لا يمكن لها أن تقف إلى جانب طرف على حساب آخر، خاصةً وأنها حرصت على جمعهما في أكثر من اتفاقية؛ لتحقيق الأمن والاستقرار في عدن، خاصةً وأن كلا الطرفين (الشرعية والانتقالي) ينظران إلى السعودية بأنها طرف محايد.

في حين أن ثمة من يرى أن التحالف العربي دفع بقوات الشرعية والانتقالي على السواء نحو معارك "استنزافية" ربما لن تنتهي على المدى القريب، وستستمر المواجهات في الاندلاع حتى تقضي على قوات كل طرف.

يتم كل ذلك في ظل أوضاعٍ كارثية تعيشها مدينة عدن المنكوبة والأوبئة والأسقام التي تقام بأهالي المدينة وسكان المحافظات الجنوبية.

 

مشاورات المملكة

قبل أيام أقلت طائرة سعودية خاصة عددًا من ممثلي ومندوبي المجلس الانتقالي الجنوبي المتواجدين في العاصمة الإماراتية أبوظبي إلى العاصمة السعودية الرياض، في ظل معلومات عن وجود مشاورات وحوارات بين أطراف النزاع في عدن وأبين (الحكومة الشرعية والانتقالي).

يأتي ذلك مع استمرار المعارك والمواجهات بين الأجنحة العسكرية للطرفين المتحاورين، وهو ما يراه مراقبون ومحللون سياسيون أنها تؤثر بشكل أو بآخر على سير المشاورات بين المتصارعين.

حيث يعتقد المحللون أن المعارك في أبين وعدم الحسم الذي تشهده لأي طرفٍ، دفع إلى ضرورة البحث عن مخارج سياسية وحوارية لتسوية قادمة بين المتنازعين.

بل أن ثمة معلومات ذهبت إلى أبعد من ذلك حين كشفت عن وجود ممثلين عن جماعة الحوثي ضمن المشاورات والحوارات الجارية حالياً في العاصمة السعودية.

وفي حالة تأكيد تلك المعلومات فإن البلاد مقبلة على تسوية سياسية شاملة طال انتظارها، وما يحدث في أبين من مواجهات ومعارك إلا جزء من تلك التسوية التي يبدو أن المتصارعين هناك يسعون إلى الفوز بأكبر قدر ممكن من المكاسب قبل التوصل إلى أية اتفاقية جديدة.

ويعتقد المراقبون أن الاتفاقية المرتقبة قد تحوي على عناصر عديدة، أهمها أنها يمكن أن تكون مكملة لاتفاق الرياض المبرم بين الحكومة والانتقالي في نوفمبر 2019، فيما يرى آخرون أن المشاورات الجديدة يمكن أن يتمخض عنها اتفاقية جديدة تماماً تلغي اتفاق الرياض، وتأتي ببنود مغايرة.

 

دعوات لإيقاف القتال

أصوات العقل بدأت بالظهور مع استمرار المعارك "العبثية" في أبين، خاصةً مع المأساة الصحية التي ترزح تحت وطأتها محافظات الجنوب، وتزايد أعداد الوفيات بين أوساط المواطنين.

حيث دعت مكونات سياسية جنوبية في محافظة أبين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي إلى وقف نزيف الدم في المحافظة وإيقاف القتال والتفرغ لإغاثة المواطنين من الأوبئة.

وطالبت المكونات، في بيانات صحفية رصدتها "عدن الغد" بوقف شامل للقتال في أبين وصولاً إلى وقف شامل ودائم للحرب والجلوس على طاولة المفاوضات، والعمل مع كل القوى الوطنية لإنقاذ عدن وكل المحافظات من جائحة كورونا.

واتهمت بعض البيانات الصادرة عن المكونات السياسية الجنوبية "أطرافاً خارجية" بالتسبب بحدوث الصراع بين الحكومة والانتقالي في المحافظات الجنوبية.

وشدد المكونات على ضرورة طي الخلافات بين أبناء المحافظات الجنوبية، وتوحيد الجهود بهدف التصدي للقوى الخارجية، وتحقيق قيم التسامح والتصالح الحقيقية بين أهالي الجنوب.. داعياً كافة الأطراف الخارجية إلى الكف عن التدخل في الشأن اليمني الداخلي.

 وأشارت البيانات إلى أن حل القضية الجنوبية لا يمكن أن يكون بالصراعات والتمزيق والتفريط بالسيادة الوطنية، بل سيتم عن طريق الحوار والاستماع لبعضنا البعض والتفاهم على مستقبل يرضي جميع الأطراف، ويحقق تطلعات الشعب الجنوبي.

وأوضحت البيانات الصادرة عن المكونات السياسية أن حل القضية الجنوبية لايعني بالضرورة حرمان الشعب من تقرير مصيره، مرحباً بحق تقرير المصير عبر انتخابات حرة ونزيهة لممثليه وعبر الاستفتاء، على أن يحدث بعد استقرار الأوضاع في كافة المحافظات.

وفي ذات السياق رحبت مكونات جنوبية في مدينة عدن بالمبادرة المشتركة لعدد من السياسيين والشخصيات الاجتماعية الجنوبية والداعية لإحلال هدنة مؤقتة بين الجيش الوطني و"الانتقالي" في محافظة أبين، تفضي إلى إيقاف الحرب والانخراط في مفاوضات.

وأقرت المكونات ضرورة تجسيد تلك المبادرة عملياً والشروع في السعي لدى الفرقاء للقبول بتلك المبادرة والجلوس على طاولة الحوار، إلى جانب تشكيل لجنة وطنية تتكفل بإغاثة مدينة عدن من الأوبئة والأمراض التي تفتك بها.

 

اللاحسم.. لمصلحة من؟

يتساءل الكثير من المواطنين البسطاء حول مآلات وجدوى المواجهات الدائرة في محافظة أبين؛ في ظل عدم قدرة أي طرف على حسم الأمور لصالحه؛ مما يؤدي إلى تعقيد الأوضاع ليس في أبين فقط، بل وحتى في عدن وبقية المحافظات.

وذلك يعود إلى أن انصراف كل طرف نحو التصعيد العسكري والإعلامي، عبر الهجمات المسلحة والفيسبوكية لا يساعد على تطبيع الأوضاع التي تهم المواطن البسيط كالخدمات العامة والاحتياجات الأساسية.

حيث يحظى كل طرف (الحكومة والانتقالي) بداعمين يسعون إلى الحصول على مكاسب سياسية عبر توريط كل طرف في مغامرات حربية وعسكرية، لا يعلم أي منهم نتائجها ومآلاتها.

ولا تبدو أي ملامح واضحة عن قدرة أي من الأطراف المتقاتلة على تحقيق ما يصبو إليه من أهداف وغايات، فالقضية معقدة، وتقف خلفها أطراف خارجية ليس من مصلحتها أن تخسر أدواتها الداخلية، وستقاوم في إبقائها أكبر وقت ممكن واقفة على أقدامها.

فثمة حسابات -بحسب محللين- هي أكبر من الحكومة الشرعية وأكبر من المجلس الانتقالي هي من تحرك قطع الشطرنج على رقعة الأرض الجنوبية؛ بهدف الفوز بأكبر قطعة ممكنة من (كعكة التسوية) التي تلوح في الأفق.

لهذا يرى المحللون أن الحسم هناك في أبين ليس في متناول أي طرف، بل أن كلاهما سيستميت في الذود عما تحت يديه من مكاسب، وسيسعى للمزيد، وهو ما قد يتسبب بفناء هذا الطرف أو ذاك؛ لأنها في الأخير حرب استنزاف هدفها النيل من كلا الطرفين.

 

تساؤلات المواطنين

وفي ظل عدم القدرة على الحسم سيبقى كل طرف متمترس خلف قناعاته العسكرية والرغبة في الإبقاء على ما تحته من مناطق وتكريس سيطرته الميدانية دون الالتفات إلى ما يهم الناس، المنكوبة بنيران انعدام خدمات الكهرباء والمياه والمرتبات، وكوارث الأوبئة التي تقال الناس في المنازل والطرقات.

في ظل كل هذا.. يتساءل المواطن عن جدوى كل هذه الأعمال الحربية التي لا علاقة لها بالناس، وهو ما يؤكد عدم اكتراث السياسية والعسكريين بما يهم المواطنين، وتركيزهم على مكاسبهم السياسية والعسكرية لا غير، وليذهب المواطن المطحون إلى الجحيم.