آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-11:28م

ملفات وتحقيقات


تقرير يرصد أسباب تأخر تنفيذ اتفاق الرياض وتداعياته على استقرار الأوضاع والخدمات في عدن.. متى ستستقر عدن؟

الأربعاء - 19 فبراير 2020 - 04:57 م بتوقيت عدن

تقرير يرصد أسباب تأخر تنفيذ اتفاق الرياض وتداعياته على استقرار الأوضاع والخدمات في عدن.. متى ستستقر عدن؟

القسم السياسي بـ(عدن الغد):

يبدو أن كل ما يتعلق باتفاق الرياض الموقع بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية متوقف تماماً؛ عطفاً على تمترس كل طرفٍ خلف قناعاته ومطالبه.

فالاتفاق تمت عرقلته، بعيدًا عن تجميل الواقع ودون مواربةٍ، وهذه العرقلة والتوقف انعكست على كل ما له علاقة بالحياة في مدينة عدن.

فكل شيءٍ في المدينة يؤكد أن لا شيء على ما يرام، تماماً كما هو الاتفاق الذي يعاني في سبيل تنفيذه وتحويل بنوده إلى تطبيق عملي.

فالارتباط بين القضيتين: قضية تنفيذ اتفاق الرياض، وقضية عودة الحياة بكل طبيعتها إلى عدن، وثيق وعميق؛ فمتى ما تم تنفيذ القضية الأولى ستتم القضية الثانية تلقائياً.

وهذه العلاقة لم تأتِ من فراغ، ولكنها أتت من روح اتفاق الرياض ذاته، وخاصةً ملفاته الأمنية والعسكرية التي تفرض إجراءاتٍ ينتج عنها استقرار المدينة؛ وبالتالي ازدهار وتنمية مختلف قطاعاتها ومجالاتها الخدمية والحياتية بشكلٍ عام.

لكن التمترس العجيب الذي يحتمي خلفه طرفي الصراع، وعدم وجود رغبة لديهم -فيما يبدو- على تنفيذ بنود الاتفاق يجعل من عودة الاستقرار إلى عدن أمرًا صعباً يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت.. والإقناع.

وقد يشكل استخدام مصطلح "الاقناع" هنا جدلاً، لكن الأطراف المعنية والموقعة على الاتفاق تحتاج بالفعل إلى من "يقنعها" أن تنفيذ الاتفاق وتطبيقه لن يأتي على مصالحها أو يهدد وجودها، بقدر ما قد يجعل منها رموزاً من رموز جلب الاستقرار ليس إلى عدن فحسب، بل وحتى إلى محافظات جنوب اليمن.

خاصةً في ظل الانتظار الذي طال من قبل أبناء ومواطني عدن، بعد أن تعلقت آمالهم كثيراً بالاتفاق، وما قد يحمله من تغيير في مستقبل المدينة، وهم يرون أوضاع مدينتهم في تدهورٍ مستمر أمنياً واقتصادياً وخدمياً.

وفي انتظار الاستقرار الذي ينشده العدنيون.. تبرز العديد من التساؤلات حول من المتسبب في عدم تنفيذ اتفاق الرياض وعرقلته؟.. أو على الأقل تأخير تنفيذه؟.

 

من المتسبب؟

في الوقت الذي تبدو مدينة عدن الخاسر الأول بسبب صراع الفرقاء من الشرعية والانتقالي، يتهم كل طرفٍ الآخر ويلقي باللوم عليه في تعمد عرقلة الاتفاق وعدم تنفيذه، في صورةٍ تبوح بالكثير من اللامبالاة بواقع المدينة ومستقبلها.

وإعلاميو كل طرف وموالوه منغمسون في كيل التهم للطرف الآخر، متناسين أن هناك مواطنين في هذه المدينة يتحسرون يومياً على حالها وما وصلت إليه من تردٍ وتدهور على كل الأصعدة.

فهناك من يرى أن الحكومة الشرعية تتعمد استفزاز الطرف الآخر عسكرياً وأمنياً، وتضع العراقيل أمام تنفيذ الاتفاق لأنها تسعى إلى إبقاء مدينة عدن تحت رحمة العذابات الخدمية وانعدامها؛ لإظهار الانتقالي في موقف العاجز عن تلبية احتياجات المواطنين.

وهذا الرأي الذي يتبناه موالو الانتقالي يشير أيضاً إلى أن الحكومة الشرعية تستغل اتفاق الرياض في محاولةٍ منها إلى إدخال قوات "الإخوان" إلى عدن للسيطرة عليها، بدلاً من توجيه تلك القوات نحو صدور المليشيات الحوثية في جبهات القتال بمأرب والجوف ونهم.

وبناءً على تلك التُهم يعتبر الانتقالي أن الحكومة بممارساتها تلك تعرقل الاتفاق وتعمل على الالتفاف على البنود وتفسيرها تفسيراً خاصاً بها لتمرير أجنداتها ومصالحها.

ويبدو أن تلك التفسيرات التي يذكرها الانتقالي وموالوه، ويتهمون بناءً عليها الحكومة في عرقلة الاتفاق، محظورٌ وقعَ فيه الانتقالي ذاته، من خلال رؤيته الخاصة تجاه عددٍ من البنود، بحسب موالين للحكومة الشرعية.

فإعلاميو الشرعية وأنصارها يرون أن الانتقالي لا يسعى هو الآخر نحو تنفيذ الاتفاق؛ لأنه يعتقد أن الاتفاق سيرغمه على خسارة ما تحت يديه من مناطق سيطرت عليها قواته خلال أحداث أغسطس وسبتمبر الماضيين، وخاصةً في مدينة عدن.

فالمكانة التي وصل إليها الانتقالي بعد المواجهات العسكرية العنيفة لا يتوقع أحد أن يتنازل عنها بسهولة؛ لهذا فهو يجتهد في مقاومة تنفيذ الاتفاق الذي يقضي بالانسحاب من المعسكرات والمرافق العامة ومؤسسات الدولة، وهو أمرٌ صعب "الفطام" بالنسبة للانتقالي.

إذن.. كلٌ من الأطراف له أسبابه ودوافعه في رفض تنفيذ الاتفاق، الذي ينظر إليه العدنيون بأنه طوق نجاة قد يخرجهم من أوضاعهم التي يكابدونها منذ خمس سنوات، والمتمثلة في انعدام الخدمات العامة، وغياب الأمن وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

 

الأوضاع في عدن

لا يمكن نكران تردي الحياة في عدن، على مختلف المستويات، التعليمية والأمنية والخدمية والمعيشية، ومن يفعل ذلك فهو لا يهدف إلى سرعة معالجة تلك الأوضاع وإعادة الأمور إلى نصابها.

فالتعليم متوقفٌ في المدينة، وإضراب المعلمين دخل شهره الثاني في انتظار تنفيذ وعود الحكومة اليمنية في صرف العلاوات السنوية وزيادة الرواتب، والتي يحول عودة كامل طاقمها إلى عدن، بحسب بنود اتفاق الرياض، دون تنفيذ ما وعدت به.

والاغتيالات الأمنية عاودت عجلاتها الدوران مجدداً، وبدأت في استهداف رجال الأمن كعادتها، وبغض النظر عن دلالات عودة تلك الأعمال الإرهابية إلا أنها تعبر وتعكس الوضع الذي وصلت إليه عدن أمنياً.

ولا نعتقد أن هناك من يختلف على أن الاستقرار الأمني غادر مدينة عدن منذ فترة طويلة، وتحتاج عودته مجدداً إلى استتباب كامل للأوضاع.

وليست الخدمات العامة بمنأى عن كل ذلك التدهور والتردي الحاصل في مختلف مفاصل الحياة العدنية، فالكهرباء والمياه وأساسيات الاحتياجات تكاد تكون منعدمة، أو متوقفة ومتعثرة في أحسن الأحوال.

وبالتوازي مع كل ذلك.. تأتي معضلة المرتبات المتوقفة منذ شهور لمختلف قطاعات الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين، وهو ما أثر على الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد والتي فاقمها تراجع سعر الريال المحلي مقابل العملات الأجنبية؛ وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الغذائية واحتياجات المواطنين الأساسية.

كل تلك الأوضاع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بغياب الاستقرار في عدن، والتي يمكن أن يضمنها ويحققها تنفيذ وتطبيق اتفاق الرياض بكافة بنوده دون تأخيرٍ أو تسويف.

 

الرياض.. بين حجري رحى

وسط هذا الكم الهائل من التعقيدات الحاكمة للمشهد العدني والجنوبي، بل وحتى اليمني، تبدو مهمة تفكيك هذا التعقيد مهمة مستحيلة في ظل تمسك كل طرف برؤاه وقناعاته.

وهنا يأتي دور المملكة العربية السعودية التي يتحتم عليها حلحلة الوضع الراهن في عدن ودفعه نحو التغيير الذي لا بد منه، حتى تعود المدينة مستقرةً كمان كانت.

وهذا التدخل سيكلف الرياض الكثير من الجهد؛ باعتبار أن تفكيك عقليات متمترسة خلف قناعاتها وتعقيدات نزاعاتها التي أثرت عليها طيلة عقود طويلة من التربص والتوجس، تتطلب معالجات جذرية للخروج بنتائج ملموسة.

كما أن السعودية ما زالت تراهن على اتفاقها الذي أبرمته مع الشرعية والانتقالي وآمنت بنجاحه، باعتباره المخرج الطبيعي للأزمة الراهنة؛ ولهذا فهي لن تسمح بعرقلته نهائياً حتى وإن استلزم الأمر وقتاً إضافياً إلى جانب الجهد المبذول.

وتبدو السلطات السعودية في عدن وكأنها وقعت بين "حجري رحى"، يعملون على عرقلة جهود تنفيذ اتفاق الرياض، أو على الأقل كسب مزيدٍ من الوقت وتأخيره لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية.

فالتعقيدات في علاقة الانتقالي بالشرعية، والعكس، عميقة، وتجاوز تلك التعقيدات من قبل الرياض يحتاج تقديم معالجات وحلول أكثر عمقاً؛ لتهيئة الأوضاع لتنفيذ كامل وحقيقي للاتفاق.

ولهذا ربما لن تجد السعودية بُداً من المضي في سياسة "تفكيك التعقيدات" وربما حتى "تفكيك العُقد" الحاكمة لطبيعة العلاقة بين الانتقالي والشرعية، والتي أتت بالوبال على عدن وغيرها من المدن والمحافظات الجنوبية.

 

تعيين محافظ ومدير أمن.. كيف سيُعجّل بالاستقرار؟

قد تكون بنود اتفاق الرياض جدلية ومثيرة للتأويلات من كل طرف، خاصةً ما يتعلق منها بالملفات الأمنية والعسكرية والانسحابات من المعسكرات والمؤسسات، غير أن ثمة بنوداً ربما قد لا تحتاج إلى كل ذلك الجدل والتمترس.

ومن هذه البنود تعيين محافظ لعدن ومدير أمن، ويرى مواطنون وحتى مراقبون أن هذين المنصبين يمكن لهما أن "يساهما" في تطبيع الأوضاع في المدينة، وتحديداً الجوانب الخدمية والأمنية.

ويعتقد معتنقو هذا الرأي أن تعيين المحافظ سيسرع في تجاوز المشكلات المتعلقة بالخدمات العامة في عدن كالمياه والكهرباء، وحتى تطبيع أوضاع التعليم، وإعادة تشغيل المرافق الاقتصادية الكبرى بالتنسيق مع المعنيين.

ويمكن لهذه الأعمال أن تعيد الحياة العامة في عدن، وإشعار المواطنين أن الأمور تسير في طريقها الصحيح نحو التطبيع الذي يحتاجه الجميع، سواء موالو الشرعية أو مناصرو الانتقالي.

كما أن تعيين مدير أمن لمدينة عدن من شأنه ضبط ووضع حدٍ للانفلات الأمني الذي بدأ يأخذ منعطفاتٍ خطيرة لا تنذر إلا بكل سوء.

ومن الطبيعي أن تتم عملية ضبط ووقف الاغتيالات والمظاهر المسلحة بالتنسيق بين مدير الأمن ومحافظ عدن، كون الأخير يعد رئيساً للجنة الأمنية في المحافظة، ولهذا السبب اقترن اسمه باسم مدير الأمن في اتفاق الرياض باعتبار المنصبين قادرين على جلب الاستقرار الأمني إلى عدن؛ فلا خدمات وتنمية بدون أمن واستقرار حقيقي.

وكل تلك الجهود لن تكون واقعاً ملموساً إلا من خلال تنفيذ اتفاق الرياض الذي طال تنفيذه وتأخر كثيراً وانعكست سلبيات تأخره على حياة العدنيين.

 

الخيار الوحيد أمام الجميع

تقف الكثير من التحديات، وربما المسئوليات أمام جميع الأطراف المعنية بتنفيذ اتفاق الرياض، فالأنصار والموالين يرقبون ويرصدون تصرفات المكونات التي يناصرونها، ويتابعون نتائجها وبناءً عليهم يضعون تقييماتهم ويبنون عليها انتقاداتهم، حتى التحالف العربي معنيٌ بهذا الأمر.

ولهذا نكاد نجزم أن تطبيق وتنفيذ اتفاق الرياض يعتبر الخيار الوحيد أمام الجميع لتحقيق انتصار سياسي أو حتى عسكري لو أرادوا، وذلك في نظر كل أنصارهم.

فلا خيار آخر يمكن أن يحقق الانتصار للجميع، دون تحقيق أي خسارة تذكر، وتحت عنوان "اربح ويربح الجميع"، وهو ما يتجسد في التنفيذ الفوري والعاجل لبنود الاتفاق.

فلن يخسر أحد، سواء كان التحالف أو الانتقالي أو الشرعية، فمتى ما تحقق الاتفاق وعاد الاستقرار إلى عدن فسيُكتب الإنجاز باسم للجميع، ودون استثناء، وسيدون التاريخ أن جميع الفرقاء تجاوزوا مصالحهم وتنازلوا عنها في سبيل جلب الاستقرار إلى عدن الحبيبة.

كما أن المواجهات العسكرية المتكررة التي عاشتها المدينة كشفت عن أنها لم تكن هي الحل، بل على العكس من ذلك، كانت تلك المواجهات سبباً في تدهور الأوضاع والظروف الحياتية في عدن.

بالإضافة إلى أن المواجهات لم تؤدي إلى استقرار، وهو ما أكدته مواجهات أغسطس الماضي التي صنعت واقعاً لم يكن بأفضل من الواقع الذي سبق المواجهات، ومن المؤكد أن النتيجة كانت غاية في السوء.

وتشير المعطيات الواقعية أن الحياة يمكن أن تتسع للجميع، لكنها ستكون ضيقة بالفعل على فصيل أو مكون واحد يسعى إلى الإقصاء أو الانفراد بالإدارة والحكم.

فالوقائع أثبتت أنه لا يوجد طرفٌ وحيد قادر على حكم عدن وتسيير شئونها بمنأى عن بقية الأطراف الأخرى والمكونات والكيانات السياسية الموازية.

حتى تاريخ عدن ما بعد الاستقلال الوطني كشف عن أساليب قيادية جماعية، مارستها المكونات الحزبية التي أدارت البلاد حينها، وكانت أساليب مناسبة لتجاوز صراع الرفاق على السلطة، ولو مؤقتاً، قبل أن تعصف بهم الخلافات الأيديولوجية.

ويتيح اتفاق الرياض مثل هذه الفرصة في الشراكة والتوافق السياسي بين المتصارعين، من خلال استيعاب كل طرفٍ للآخر، والتي يمكن أن تجعل من عدن مدينة متخمة بالاستقرار والتنمية.

فالشراكة تبدو أمراً حتمياً في الواقع العدني تحديداً، حيث التنوع والتعدد هو المتسيد في هذه المدينة التي لم تعرف سوى القبول بالآخر، ولم تمارس الإقصاء على مدى تاريخ المدينة.

كما أن ذلك التوافق السياسي الذي بشّر به اتفاق الرياض، سيسمح للدولة- بفصائلها ومكوناتها المتنوعة- بأن تعود مجدداً وتضطلع بمسئولياتها الخدمية والأمنية تجاه المواطنين.

فعدن وأهلها بحاجة إلى عودة الدولة حتى تعيش حياة الاستقرار، وهذه الدولة هي التي سيكون طرفاها الانتقالي والشرعية على حدٍ سواء، في شراكةٍ سياسية وفق اتفاق الرياض، في انتظار ما ستسفر عنه مفاوضات الحل النهائي مع الحوثيين، والتي يمكن أن تجعل من نجاح اتفاق الرياض منطلقاً لإنهاء الصراع في اليمن عموماً وليس في عدن فقط.

ونتيجةً لذلك سيكون الجميع شركاء في النهوض بواقعٍ جديد ومغاير لمدينة عدن، تستطيع من خلاله صناعة مستقبل أفضل ينتظره ويرتقبه أبناؤها بفارغ الصبر.