آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-12:45م

لِمَ لا نعود لماضينا؟

السبت - 09 مارس 2024 - الساعة 01:04 م

سالمين سعيد بنقح
بقلم: سالمين سعيد بنقح
- ارشيف الكاتب


في خضمِّ ما أنا فيه من التفكير الطويل منذ مدة ليست بقليلة كانت فكرة هذا المقال ادور في رأسي وأقلبها يمنةً ويسرة حتى قررتُ اليوم أن أخرجها من صدري الذي لطالما كانت تعتلجُ فيه ولم تعرف للخروجِ سبيلا، فقدر الله أن يكون هذا هو اليوم يوم خروجها لتهدأ نفسي أخيرًا منها.

إنّ هذه الأمة العظيمة بحاجة ماسّة لأن تعود لماضيها لتجد ضالتها وتُضيء تلك الشعلة التي أُطفئت بفعلِ فاعلٍ منذ مدة طويلة، فلا يمكن لنا أن نحلم بنهضةٍ أدبيةٍ جديدة ونحن لا نمتلكُ قاعدة صلبة نقفُ عليها، وكيف لنا ذلك وجُل أبناء هذا الجيل لو عرضتْ لهم مسألةٌ من مسائل الأدب ما استطاع أكثرهم أن يجيبك بما يشفي الغليل!
لذلك وجب على كل فردٍ منا أن يساهم ولو بالقليل من وقتهِ وجهده في سبيل أن يُحيي هذا اللسان العربي العظيم.

إنّ الله عز وجل شرّف هذه الأمة بأن جعل آخر رسالاتهِ فيهم، وشرّفها كذلك بأن جعل معجزة المعجزات وهو القرآن الكريم بلسانٍ عربيٍّ غير ذي عوج، فأين نحن من استشعار هذه النعمة العظيمة، فالأجدر بنا أن نكون على قدر هذه المكرمة العظيمة وألا ندخر جهدًا في سبيل إحياء البيان العربي.
ومما يجب أن نضعه في الحسبان إذا ما أردنا أن ننهض بهذا الجيل أن ننشأ جيلًا كاملًا واعيًا ومدركًا لِمَ يجري من حوله، فإنَّ الأمم كلها تحاول جاهدة أن تضع من شأن هذه الأمة.
وهذا الوعي الذي أتحدث ليس وعيًا ثقافيًا فحسب بل على كافة الأصعدة، فإذا نحن أنشأنا هذا الجيل الواعي والمدرك لتاريخهِ وثقافتهِ وأدبه، أوشكنا أن نرى ثمرة هذا الجهد العظيم.
"أرى تحت الرمادِ وميض جمرٍ
ويوشكُ أن يكون له ضرامُ"

ولا بد من تكثيف الجهود الفردية أولًا ثم الجهود الجمعية، فلو أنّ كلًا منا استشعر قيمة الأدب في نفسه وحاول أن يعلّم نفسه وبذل في سبيل ذلك طارف جهده وتليده عندئذٍ ستتحقق النهضة الأدبية والفكرية والثقافية التي نحلم بها.
وبداية ذلك تكون بتعلم علوم الآلة التي لا بد من اتقانها قبل الولوجِ في أي مشروع ثقافي نريده، وهي علومٌ سهلة لمن كانت همة عالية ونفسٌ طموحة، وإنّ النفس البشرية ميّالةٌ لركوب المركب السهل ما لم يردعها المرء:
"تريدين لقيان المعالي رخيصةً
ولا بد للشهد من إبر النحلِ"
وعمود هذه العلوم أي علوم الآلة هو علم النحو ويحبذ للمبتدئ أن يبدأ بالآجروّميّة وهي بمثابة مدخل لعلم النحو هذا العلم الجليل الذي يسمى مفتاح العلوم، ثمَّ بعد ذلك ينتقل لِمَ بعده وهو قطر الندى، ثمَّ ألفية ابن مالك، وينتهي بكتاب سيبويه.
ثم ينتقل لعلم الصرف ثم علم البلاغة، فإذا حصّل طالب العلم هذا العلوم ولَجَ لبقية العلوم، عند ذلك يجب عليه ألا يدخر جهدًا في المساهمة في مشروع إحياء البيان العربي.

وختام القول ينبغي علينا جميعًا أفرادًا كنا أو مؤسسات أن نتكاتف سويًّا في هذا السبيل لتحقيق الأهداف السامية فلا قيمة لأمة ما لم تعتدَّ بماضيها وتحافظ عليه وتعضَّ عليه بالنواجذ.