آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-02:24م

لماذا نقرأ؟

السبت - 02 مارس 2024 - الساعة 01:26 م

سالمين سعيد بنقح
بقلم: سالمين سعيد بنقح
- ارشيف الكاتب


سُئل الأديب المصري الكبير عباس محمود العقاد ذات مرة هذا السؤال: لماذا تقرأ؟
فأجاب: لأنَّ حياة واحدة لا تكفيني.
هذه الإجابة التي تبدو للوهلة الأولى أنها بسيطة ولكنها تحمل في طياتها معانٍ كثيرة لا يعرفها إلا من له ولعٌ كبير بالقراءة، ففي كل مرة يقرأُ الانسان فيها فإنه يضيفُ إلى عمره أعمارًا أخرى، لأنه ينتقلُ من عالمهِ الحقيقي إلى عوالم أخرى، فيرى حياة الناس في الأزمان الغابرة، ويتشكل أمامه الماضي بصورة مختلفة، فيسافر بخياله وروحه وإن كان جسده باقيًا مع الأحياء.
هذه إحدى ثمرات القراءة الكثيرة، ثم إننا كمسلمين يجب أن نضع في الحسبان أنّ أول آية نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت هذه الآية(إقرأ) في دليل واضحٍ وصريح على أهمية القراءة وأنها السبيل الأول للنهضةِ بأي مجتمع، فالأمة التي لا تعطي للتعليم أهمية كبيرة توشك أن تراها تتهاوى شيئًا فشيئًا حتى تسقط.

إنّ مما يثير استغرابي في بعض الأحيان أنني أجد أنّ بعض الأشخاص عندما تسألهم عن هواياتهم يجيبونك بهذه الإجابة التي تدعو للاستغراب حقيقة لا مجازًا يقول بعضهم: هِوايتي هي القراءة!!
عجبًا كيف نجعل القراءة هواية ولا نكاد نفتح كتابًا إلا في أوقات الفراغ؟!
بينما الأولى بنا أن نضع القراءة ضمن أهم الأولويات في حياتنا وليس العكس، ولنا في سلفنا من علماء الأمة أسوة حسنة، فقد كان بعضهم لا يكاد يفارق كتابه حتى لقي حتفه، ومما يروى في الأخبار أنّ الإمام ثعلب الإمام المعروف كان لا يكاد يفارق كتابه وقد عمّر طويلًا، وبينما هو يمشي في أحد الأسواق وقد جاوز التسعين ركلتهُ بغلة فمات وهو ممسكٌ بكتابه، فأين نحن من هولاء الذين لا يكادون يفارقون كتبهم؟
"فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إنّ التشبه بالكرام فلاحُ"
ومما أذكرهُ شخصيًا أننا مرة كنا مجتمعين مع بعض الأحبّة من طلاب العلم وكنا نتحدث عن كتاب من الكتب الشهيرة التي تعتبر ركنًا من أركان علم البلاغة وهو كتاب "دلائل الإعجاز" لعبد القاهر الجرجاني، وكان معنا أحد طُلاب شيخ البلاغيين الدكتور محمد أبو موسى حفظه الله ومتّع به متاع الصالحين وقال: قال لنا الشيخ مرة لا تسألوني كما مرة قرأتَ "دلائل الإعجاز" بل قولوا كم نسخة منه بَليت في يدك!
فوقعت هذه الكلمة في نفسي موقعًا كبيرًا، نعم لأنّ هذا الرجل يدرك تمام الإدراك أنه في كل مرة يقرأ هذا الكتاب سيستخرج فوائد ربما لم تتبين له في قراءتهِ السابقة وهكذا دواليك.
إننا بحاجة ماسة لقراءة تاريخنا وتراثنا لنحقق النهضة التي نطمح لها ورحم الله القائل:
"إذا كان يؤذيكَ حَرُّ المَصيفِ
‏ويبسُ الخَريفِ وبردُ الشتاء

‏ويُلهيكَ حُسن جَمالِ الربيعِ
‏فأخذُكَ للعلمِ قُلْ لي مَتى؟!"
فيا أبناء جيلي تعالوا لنمضِ على سبيلٍ واضحٍ لنشقَّ طريقنا إلى الأمام ونتعلم آداب العرب وتاريخنا ونستشعر عظمة هذه الأمة العظيمة، وإلا توشكُ أن تنكسر شوكتنا فلا تقوم لنا قائمة بعد الآن.
فما يضرُّ أحدكم لو أنه خصص من وقتهِ ولو ساعة في اليوم يقرأ فيها كتابًا مفيدًا فيتعلم كل يوم شيئًا جديدًا وهكذا حتى تصبح هذه عادة يومية.
ولكنّ أكثرنا ركنا إلى ملهيات الحياة وملذاتها ونسي واجبه إتجاه أمته وأنهُ مُكلفٌ برفعِ الجهل عن نفسه، ونسي أنه سوف يُسألُ عن شبابه فيما أفناه وضيّعهُ.
على أملِ أن ينشأ ذلك الجيل المتعلم الذي سينهضُ بهذه الأمة وينفض عنها غبار الذل والمهانة.