آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-01:39م

تراثنا الأدبي،بين النهوض والسقوط ..

الإثنين - 29 يناير 2024 - الساعة 02:42 م

سالمين سعيد بنقح
بقلم: سالمين سعيد بنقح
- ارشيف الكاتب



سالمين سعيد بنقح

إنّ الناظر والقارئ للأدب العربي من شعرٍ ونثر لن يخفى عليه ما تمر به الأمة من ضعفٍ في إنتاجها الأدبي الذي أصبح جُلهُ مكررًا وبلغةٍ ضعيفة وركيكة وليست بالمستوى الذي كنا نؤمله خصوصًا أننا في أوّج نهضتنا وأوّج قدرتنا على الإنتاج،وأسباب هذا الضعف وهذه الركاكة كثيرة ربما ذكرت هنا بعضًا منها مع بعض الحلول التي قد تساعد في حل هذه المعضلة الخطيرة التي تنخر في جسد الأمة..
سأبدأُ بالحديث عن كُتّاب النثر أولًا ثم الشعر والشعراء

من الأسباب المهمة التي أدت إلى هذا الضعف هو عدم تمكن الكثير من الكُتّاب العرب مع الأسف الشديد من إتقان علوم العربية إتقانًا كاملًا أو إتقان ممتاز كي يتسنى له أن يميز الصحيح من الصواب والجيد من غير الجيد
فمعظمهم لا يعرفون طرق الوصف ولا التشبيه ولا استخدام البلاغة؛لأنهم ببساطة لم يقرأوا الكتب التي تحدثت عن هذا الأمر مثل كتاب فقهُ اللغة للثعالبي وكتاب الكامل في اللغة للمبرد وغيرها من الكتب
وهذه مصيبة كبيرة فكل كاتبٍ لم يدرس البيان وعلم البديع ولم يدرس الأساليب الصحيحة للكتابة سوف يكون نِتاجه ضعيفًا وركيكًا وسيئًا على كل حال لأنه أهمل هذا الجانب المهم جدًا ربما بعضهم لا يعلم خطورة هذا.

والسبب الآخر هو أنّ بعض الكُتّاب لم يقرأوا كفايةً في فنهم فقد قيل قديمًا:من خاض في غير فنّه أتى بالعجائب
فالقراءة والدراسة في فنٍّ معين تتقنه أمرٌ مهمٌ جدًا ويجب أخذه في الحسبان لأنك لو لم تفعل ذلك لكنت تهذي بما لا تعلم.
فإذا كنت من محبي الروايات فعليك قبل أن تفكر في كتابة رواية أن تقرأ ما لا يقل عن مئة رواية حتى تفهم وتستوعب أسلوب كتابة الرواية الصحيح وكيفية ربط الأحداث والوصف والمشاهد وغير ذلك،وخذ الفنَّ من أهله المتمكنين والمتمرسين فيه والذين لهم بصمتهم الخاصة في هذا المجال وعرفوا به ونجاحهم شاهدٌ على ذلك.

أيضًا هناك سبب آخر وهو أنّ البعض للأسف الشديد لا يفكر في قضية الأمة ككل وإنما يفكر أن يصنع مجدهُ الخاص ويركض وراء الشهرة وتهاتف الناس خلفه ولا يهمه موضوع أنه يجب أن يكون أحد أسباب نهوض هذه الأمة،وهذا نوع من الأنانية السيئة جدًا فينبغي للكاتب أن يستوعب أنه صاحب رسالة وهدف سامي وهو رفعة هذه الأمة كي تعيد أمجادها وتاريخها العظيم.

سأكتفي بذكر هذه الأسباب الثلاثة المهمة كي لا أطيل عليك عزيزي القارئ وتصاب بالملل،سأنتقل إلى الأمر الآخر وهو الحديث عن الشعر والشعراء ..

لو سألني أحدهم ماهي أسوأ فترة مر بها الشعر العربي؟
لأجبت وبدون تردد هذه الفترة التي نعيشُ فيها؛وأسباب ذلك كثيرة منها مثلا:
أنّ بعضَ الشعراء الحاليين لا يدركون أنهم يساهمون في فساد ذوق العامة بما يكتبونه وينشرونه للناس على أنه شعر وهو في حقيقة الأمر لو نظرت إليه وأمعنت النظر جيدًا لوجدته كلامًا عاديًا لا يسمنُ ولا يغني من جوع!

ومن الأسباب أيضًا ضعف الشاعر وعدم تمكنه من علوم العربية من النحو والصرف والبلاغة والبديع وكذلك قلة محفوظة من الشعر،فقد ذكر ابن خلدون في مقدمته كلامًا مهمًا فيما معناه:أنّ الشاعر إذا كان محفوظه من الشعر عاليًا خرج شعره رفيعًا وعاليًا،وإذا كانت حصيلته من الشعر المحفوظ رديئه خرج شعرهُ ضعيفًا وركيكًا وساذجًا.
ومثل هذا الشعر لا يعوّل عليه بتاتًا وما هو إلا كلامٌ عادي ونظمٌ متكلف لا يعتد به.
وعليه فإنّ كل شاعرٍ يجب عليه أن يحفظ الكثير والكثير من القصائد العالية والقوية في معناها ومبناها،مثل المعلقات العشر،ويحفظ من كتب المختارات،ومن دواوين الشعراء الفحول الذين اتفقت العرب على فحولتهم في الشعر كُلٌ في بابه،فإذا حفظ الشاعر قصائد الفحول وفهمها فهمًا جيدًا وتعلق بها سوف يكون شعره من العلو بمكان ولن يجاريه أحد،أما إذا رغب عن ذلك إلى سواه فلن يكون إلا شخصًا عاديًا يكتب كلامًا عاديًا ويخدع الناس بمعانيه التي يظنها عالية وهي أوهن من بيت العنكبوت!.

وهناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى ضعف الشعر في هذا العصر والمقام هنا لا يسمح للإطناب أكثر من هذا
سأرفق بعض الكتب التي قد تساعد كل كاتب وكل شاعر بإذن الله

للكُتّاب:
الآجرومية في النحو ثم كتاب قطر الندى ثم ألف بن مالك
كتب الجاحظ عامةً مثل البيان والتبيين
كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة
كتاب الكامل في اللغة للمبرد
كتاب النوادر لأبي علي القالي
وغيرها من كتب اللغة والأدب والثقافة ولكن هذه أبرز ما يجب قراءتها ودراستها،ولا بأس بكتب المتأخرين مثل المنفلوطي والزيّات والرافعي وغيرهم من رواد هذا العصر.

أما بالنسبة للشعراء فإنهم مطالبون بدراسة النحو والصرف والبلاغة والعروض والبديع دراسةً جيده حد الإتقان ثم من بعد ذلك قراءة الدواوين الشعرية وكتب النقد القديم والحديث مثل
١-دواوين شعراء المعلقات كـ امرئ القيس والنابغة وزهير وغيرهم
٢-دواوين الاسلاميين مثل عمر بن أبي ربيعة
٣-دواوين الأمويين مثل الثلاثة:الأخطل وجرير والفرزدق بالإضافة إلى دواوين العذريين.
٤-قراءة الشعر العباسي وبالأخص دواوين الشعراء السبعة بالإضافة للأمير أبي فراس وهم على هذا النحو:
١-بشار بن برد
٢-أبونواس
٣-مسلم بن الوليد (صريع الغواني)
٤-ابن الرومي
٥-أبوتمام
٦-البحتري
٧-ابن المعتز
٨-المتنبي
٩-أبو فراس الحمداني
٥-كتب المختارات الشعرية مثل الأصمعيات،والمفضليات،وجمهرة أشعار العرب،والحماستين الصغرى والكبرى لأبي تمام وغيرها من مختارات العرب العالية.
٦-دراسة كتب النقد دراسةً علمية والتعمق في المناهج العلمية لأن الشاعر يجب أن يتعلم النقد ليحكم على أبياته من حيث الجودة الفنية،وهو ليس مطالبًا أن يكون ناقدًا بالمعنى الحرفي وإنما يكون على اطلاع تام ويعرف الأخطاء التي وقع فيها من هم قبله ويحاول تجنبها قدر المستطاع.
هذه أبرز الأمور التي قد تساعد الكُتّاب والشعراء بإذن الله تعالى..
الأمة اليوم في أمسّ الحاجة إلى يكون لها إنتاج أدبي عالي وليس مثل هذه النماذج التي نراها اليوم تسيطر على المنصات وتتحدث باسم العرب واللغة العربية
نحن بحاجة إلى كُتّاب حقيقيون وشعراء حقيقيون يحملون على عاتقهم قضية الأدب العربي وقضية الثقافة العربية،ويحرصون كل الحرص أنّ الأجيال القادمة يجب أن تقرأ الشيء الذي يدل على عظمة هذه اللغة السامقة والعظيمة.
هذا ما لدي والله أعلم إن أصبت فمن الله وإن أخطأتُ فمن نفسي والشيطان.