آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-03:27م

شيخ العربية ..

السبت - 16 ديسمبر 2023 - الساعة 12:10 م

سالمين سعيد بنقح
بقلم: سالمين سعيد بنقح
- ارشيف الكاتب



سالمين سعيد بنقح

كان يمقتُ اللغة العربية مقتًا شديدا،وكان ينفر منها كحال أي شابٍّ في مثل سنه في تلك الحقبة،هكذا أخبر عن نفسه،وفي يومٍ من الأيام تغير كل شيء عندما مر في أحد أزقة الأزهر ورأى مجموعة من طلاب العلم يجلسون حول شيخٍ من المشائخ ويقرؤن عليه ديوان شاعرٍ يسمى المتنبي! كانت تلك اللحظة هي اللحظة الفارقة في حياة شيخ العربية،اللحظة التي جعلته يقضي حياته كلها في سبيل نشر ثقافة الاعتزاز بالموروث العربي وظل طوال حياته يناضل من أجل الفكرة التي كان يؤمن بها.
ذلك هو "محمد محمود شاكر" هذا الأديب والمفكر والناقد العربي الكبير الذي لا تجدُ شخصًا في الوطن العربي مهتمًا بالأدب العربي لم يطرق سمعه اسم هذا الرجل العظيم الذي وعلى غِرار المتنبي ملأ الدنيا وشغل الناس،بكتبه ومقالاته في الأدب والفكر،كان محمود شاكر رحمه رجلًا بحق تصدى لتلك الحملات الشعواء التي كانت تحاول جاهدةً لإسقاط هيبة اللغة العربية ومكانتها في نفوس العرب ولكنه شعر بذلك الخطر المحدق فكتب عشرات المقالات ونبّه إلى أنّ هناك حرب خفية سُعرّت لإسقاط اللغة العربية،وكان من أبرز مَن استعملوا لذلك هو الدكتور "لويس عوض" وذلك أنه كتب كتابًا عن أبي العلاء المعرّي واستنقص منه،فلم يعجب ذلك الأستاذ محمود شاكر فرد عليه بمجموعة مقالات جُمعت فيما بعد وجُعلت في كتاب.
ولعل من أبرز كتب شيخ العربية وحامل لواءها هو ذلك الكتاب الذي نال شهرةً واسعة وكان سببًا في اخراج محمود شاكر للناس وهو كتابه الممتع والآسر والجميل جدًا (المتنبي) وقد كتبه ردًا على عميد الأدب العربي (طه حسين) الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي تبنى فيه فكرةً هي في الأصل مأخوذة من أحد المستشرقين والفكرة هي أنّ الشعر المنسوب إلى الجاهليين في الأصل ليس جاهليًا بل هو من صنع الرواة،وهذه فكرةٌ لا يقبلها العقل بتاتًا وربما أفردتُ لها مقالًا خاصًا فيما بعد،الجدير بالذكر أنّ كتاب "المتنبي" حوى مقدمة مهمة جدًا ينبغى على كل قارئ عربي أن يقرأها ويفهم كما يجب لأن فيها بعض الأمور المهمة جدًا حول الثقافة العربية واسماها:"رسالة في الطريق إلى ثقافتنا".
عاش هذا الرجل العظيم طوال حياته يحاول ترسيخ أفكاره التي يؤمن بها وكان يقول:لا قيمة لأمةٍ ما إلا بلسانها
أي أنّ كل أمة على هذه الأرض لا مكانة لها بين الأمم إلا إذا أولت لغتها كل الاهتمام وحفظت تراثها.
وكان رحمه الله قليل الاختلاط بالناس يأنس بالوحدة حيث لا شيء يزعجه ولا يثنيه عمّا يريد،وحق لكل منتسبٍ إلى هذه الأمة أن يقرأ كتب هذا الرجل العظيم ويحاول جاهدًا أن يستوعب الطريقة التي كان يفكر بها ليرتقِ بنفسه ويرفع من ذوقه الأدبي،فبمثل كتب هولاء تنهض الأجيال من سباتها العميق،ومن هذه التفاهة التي علقت فيها منذ زمنٍ بعيد،وإنك لتعجب عندما تنظر إلى حال الغالبية العظمى من شبابنا هذه الأيام فقلّما تجد شابًا يحمل هم نهضة هذه الأمة وكأنهم تخلوا عن هذه المهمة وصار كل منهم لا يكترث بالخطر المحدق به.
فإن أردنا لأدبنا أن ينهض ولأمتنا أن تخرج من قعر الجهل الذي تفشى فيها فلا بد أن نستشعر قيمة هذه اللغة في نفوسنا وأن ندرك أنها أفضل اللغات وأنها لغة القرآن.
ونحن في هذا الزمن لسنا بحاجة إلا إلى ثورة فكرية تجعلنا ننفض غبار الجهل الذي طمرنا وأن نخرج من قعر هذه البئر المظلمة إلى النور الذي لا ظلام بعده فإن نحن فعلنا أعدنا للأمة مجدها …وإنني لأرجو من الله تعالى أن يمد في عمري لأرى تلك اللحظة التي تستعيد الأمة فيها مجدها وتكون في مصاف الأمم وما ذلك على الله بعزيز.
هذا نزرٌ يسير من الحديث عن هذا الرجل العظيم وإلا فمقامه وعلمه أكبر بكثيرٍ من أن يذكرا في مقالٍ يسيرٍ كهذا.